Google
Recherche WWW Recherche sur Votre site
Feed 

 

مسرح الهواة في الجزائر و المعطيات العامة المطروحة

ادريس قرقوة   

 

الهواية هي الخطوة الأولى نحو الاحتراف هذا ما تعارف عليه المسرحيون وقد كانت الهواية ولا تزال في مختلف بلدان العالم المدرسة التي تقدم للمسرح خير رجاله، فمبدأ الهواية يقوم على الميل الجارف والرغبة الشديدة، وهما كفيلان بجعل الفنان سيتهين بالعقبات التي تعترض سبيله والقيود التي تكبل حيويته، وبهذا يتناسى ما تفرضه عليه عادّات المجتمع وتقاليده ويتقدم بكل جرأة وقوة يدوس جميع العوائق والعقبات التي تحول دون بلوغ غايته ويمضي بحماس كبير وإرادة لا تفتر محققا ذاته الفنية.

وعند استعراضا لتاريخ المسرح الجزائري نجد أن كبار الفنانين والممثلين الذين طبعت أسماءهم صحف تاريخ مسرحنا كانوا في بداية حياتهم الفنية هواة أحبوا فن التمثيل وأخضعوا ظروف الحياة لممارسة هذا الفن الذي ارتضوه لأنفسهم وإن كان التاريخ يخبرنا أيضا عن فنانين عظام خيّروا بين المسرح ومؤسسات عملهم فاختاروا العمل لظروفهم الاجتماعية والمعيشية مثل سلالو علي وغيره كثيرون فأفل نجمهم بعدما كان ساطعا على خشبات مسارح الجزائر لكن غيرهم استمر في عطاءاته رغم المحن والإحن وأعطوا للمسرح الجزائري الكثير بل أسهموا في تجذير الممارسة المسرحية عندنا.

((ويدعى الهواة في كل بقعة من بقاع الأرض أنّهم المجددون دائما وأن قرائحهم كانت ولا تزال مهبط الوحي الفني والمصدر الذي تنبعث عنه مختلف الأضواء والألوان التي يسري ويصطبغ بها الفنّ وأنّه إذا كان للمحترفين فضل المثابرة والاستكمال فإن للهواة وحدهم فضل السبق والخلق الأول))[1].

"انطلق مسرح الهواة من المدارس العربية وتربي في أحضان الكشافة الإسلامية ونما وترعرع ضمن فرق الهواة المسرحية." هكذا صرح لي الفنان قندسي سليمان عن مسرح الهواة في سيدي بلعباس وهذا ما ينطبق فعلا على الهواة بالجزائر كلّهم.

لقد برزت إلى الوجود الكثير من فرق مسرح الهواة بغالبية المدن الكبرى الجزائرية ويمكن أن نذكر على سبيل المثال فرقة المسرح الشعبي، صوت النظال حاليا، فرقة الفصول الأربعة، مسرح البحر، فرقة الكلمة فنّ الخشبة، البيان، بسيدي بلعباس، فرقة الشباب، فرقة المسرح الوطني لغرب الجزائر جمعية أمل، ابن سينا، المسرح الحر، كلوباترا بوهران، فرقة السعيدية، جمعية الإشارة، الموجة، الخشبة الزرقاء بمستغانم القوالة، بغليزان والخلدونية بالشلف، فرقة الفنون الشعبية، النهضة المنايلية، لبرج منايل بومرداس، فرقة محمد اليزيد، القافلة وغيرها بالجزائر العاصمة. فرقة ترقية المسرح وأفراح المسرح الجامعي بتلمسان.

فرقة التاج ببرج بوعرريج، محفوظ طواهري بمليانة عين الدفلى، حركة المسرح بالقليعة تيبازة وغيرها من الفرق المسرحية والجمعيات التي نشطت ضمن مسرح الهواة،   الفرق المسرحية الجديدة كفرقة عبد القادر وعجاج بمسرحياتها "اللعنة الأولى والثانية ومسرحية "اللهب" من سيدي بلعباس وجمعية محفوظ ظاهري من مليانة بمسرحيتها "بيت النار" وجمعية الموجة من مستغانم بمسرحيتها "الانحراف". وفرقة محمد اليزيد من الجزائر العاصمة تحركت جميعها نحو إسقاط النص المسرحي واللغة الأدبية لحساب الصورة، فهو جيل مسحور بالتقنيات، مسحور بخطف الأنظار وسرقة العين، ولهذا تراجعت لديهم سلطة المؤلف لصالح سلطة المخرج ولسلطة السينوغرافي والكوليغرافي أيضا، فلم تنشغل هذه الفرق بالإجابة عن سؤال لماذا؟ قدر  إنشغالها بسؤال كيف؟ وبكل ما يخطف العين ويبهرها هكذا بدأ تحركهم نحو الصيغ الفلكلورية، بعيدا عن أي خبرة معرفية تراكمية، وبعيدا عن أي ارتباطات فكرية بمشروع نهضوي فاعل على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي اعتماداً على التراث واستلهاماً للموروث الشعبي، ولكن ظل تحركهم تحركا شكليا، وسؤالا زائفا، يبحث عن صيغ مبهرة، يمكن لها أن ترضي لجان التحكيم بالمهرجانات الوطنية بعامة والدولية بخاصة، وقد نسمي هذه الظاهرة الجديدة في المسرح لدنيا بظاهرة مسرح الكارتبوستال.

 كما تدعمت حركة الهواة المسرحية بمجموعة هامة من "المهرجانات"[1]أبرزها المهرجان الوطني للمسرح الهواة بمستغانم الذي عقد دورته السادسة والثلاثون سنة 2003 والمهرجان الوطني لمسرح الشباب لجمعية آمل بوهران والمهرجان المغاربي بعنابة ومهرجان مدينة العلمة والمهرجان المسرحي بسكيكدة، ومهرجان الوادي وآخر بالقليعة ومهرجان مليانة للمسرح التجريبي، الذي دأبت جمعية محفوظ طواهرية على تنظيمه كل سنة، ثم أيام مدينة العامرة المسرحية، فأيام غليزان للفنون المسرحية الذي تنظمه سنوياً جمعية القوالة المسرحية، وإن كانت غالبة هذه المهرجانات تنقصها الاستمرارية لأسباب عدّة أبرزها مشكل التمويل ولعل أبرز مهرجان مسرحي كرس النوعية ودعا إلى جودة الأعمال المسرحية نصا وإخراجا وأداء وحاول أن يلخص تجارب المهرجانات الوطنية، المهرجان الوطني للمسرح الممتاز بسيدي بلعباس الذي تسعى جمعية البيان إلى التأكيد على أنّه تقليد مسرحي ستحفظ به المدينة المسرحية، يختار المهرجان العروض المسرحية الجزائرية المتوجة بالجوائز الكبرى بالمهرجانات الوطنية والدولية، والسؤال الذي ينبغي علينا طرحه في هذا المجال: ماذا قدمت حركة مسرح الهواة للمسرح الجزائري؟

وللإجابة عن هذا السؤال لابدّ من استعراض بعض الظروف العامّة التي عمل مسرح في ظلها الهواة والتي تتلخص في الآتي:

- غياب كامل للدعم المادي من الدولة وإذا ما حصل فإنه يقتصر على بعض الفرق وبشكل مؤقت أو متذبذب.

- الافتقار إلى التكوين المسرحي بالمعنى الأكاديمي (فممارسة المسرح لدى الهواة كما سبق الإشارة إلى ذلك تتم على سبيل الرغبة والهواية.

- عدم حصول هذه الفرق على مقرات للعمل والإعداد المسرحي.

- عدم التفرغ بشكل كامل للعمل المسرحي، فغالبية الهواة عمال أو موصفون يمارسون نشاطهم المسرحي خارج أوقات العمل.

- الإفقار إلى الإضافات في المجال المسرحي.

- غياب إستراتيجية عمل ثقافية توحد جهود الهواة.

وإجمالا يمكن تلخيص أهم مساهمات مسرح الهواة في المسرح الجزائري كالآتي:

- جهود مسرحية (كم كبير من الأعمال المسرحية الإبداعية والمقتبسة).

- استطاع أن يخلق جمهورا مسرحيا يهتم ويتابع النشاط المسرحي.

- الانتقال بالمسرح من المدن الكبرى إلى القرى والأرياف في شكل فرق مسرحية، جمعيات بدور الشباب.

- الانتقال بالمسرح إلى المدرسة والجامعة.

- أمدّ مسرح الهواة المسرح المحترف بمعظم كوادره الفنية.

وأود هنا أن أذكر أسماءً مهمة لشباب في مسرح الهواة، ممن عايشتهم وأعرف أفضالهم على مسرح الهواة وإن كانوا كثر جداً ولكني سأقتصر على بعضهم ومنهم: ميهوبي محمد، وميسوم مجهري من وهران، عبار عز الدين ودويلة نور الدين من بلعباس، عابد بوخبزة من غلزان، سليم بن زديرة، شويحي مراد من سطيف، حليم زدام وقشي من برج بوعريريج، سمير بومعد من مليانة، عزيز عزرين من العامرة، نفناف ابراهيم من برج منايل، يوسف تعاونينت من القليعة تبازة، خالد بلحاج من قسنطينة، عبد الكريم بن عيسى من تلمسان، أحمد بلعالم من مستغانم. عبد الجليل من ورقلة والهامل من تندوف.. هؤلاء الشباب وغيرهم ممن لا يسعني مجال لأذكر أسماءهم وأعمالهم شاهدة على صمودهم وأدائهم ساهموا بفعالية في دفع حركة مسرح الهواة من التسعينيات إلى اليوم نحو الأمام، وبذلوا جهوداً مضنية حتى لا تنطفئ شموع المسرح الجزائري، تأليفاً وإخراجاً ومساهمة على اختلاف أشكالها.

وأعتقد أن مسرح الهواة مدين لهم، لهؤلاء وأولئك على خدماتهم الجليلة وبقاءهم على الدرب على الرغم من المحن والإحن وعواصف الأيام ونوائب الدهر..

ولكن رغم كل هذا، فلا تزال حركية مسرح الهواة بطيئة أثر عليها الوضع العام للبلاد أكثر مما أثرت فيه وهي الآن دخلت عمر الأزمة المسرحية إلى جانب المسرح المحترف رغم أن أسباب وجودها وإطار ممارستها للنشاط المسرحي وحظوظها في الاستمرار والبقاء تختلف كثيرا عن مسرح الدولة.

 

خصوصيات مسرح الهواة في  سيدي بلعباس:

·     نما وترعرع في كنف الكشافة الإسلامية وشبيبة جبهة التحرير الوطني.

·     خدم السياسة الوطنية العامة (مسرح موجه) في معظمه، عالج مواضيع التطوع،  الطب المجاني، الثورة الزراعية، التسيير الذاتي للمؤسسات الوطنية....إلخ.

·     عرف حركة مسرحية واسعة خلال السبعينات وحتى منتصف الثمانينات حتى تجاوزت فرقه العشرين فرقة.

·     أخذ مسرح الهواة في سيدي بلعباس ثلاث إتجاهات.

1.اتجاه شعبي: قاده الفنان الصايم الحاج وعباس بودن يعتمد على سكاتشات وأسلوب الإضحاك على شاكلة "مسرح الشارع" ([1]) أو "مسرح المقهى"([1]).

2.اتجاه تجديدي في المسرح: اعتمده قادة بن سميشة، محمد شواط، عبار عز الدين وجل فرق مسرح الهواة إذ حاول هؤلاء الكتاب والمترجمون مسايرة التطورات الحاصلة في المسرح الجزائري بوجه خاص، من خلال الاحتكاك بالفرق الوطنية بالمهرجانات والأيام المسرحية والجولات المتكررة لفرقهم عبر ولايات الوطن. ومسايرة التطورات العالمية في المسرح في خلال الخرجات ولو كانت ضئيلة نحو بلدان المغرب العربي ونحو أوربا، أو عبر القراءات المتعددة للتجارب المسرحية العالمية.

3.اتجاه نحو المسرح التجريبي: واعتمده الكاتب والمخرج بوجمعة مختار من خلال مسرحه التجريبي، واحتكاكه بالتجارب المسرحية المتعددة لزياني، شريف عياد، عبد القادر علولة، وتجارب مسرح الموجة لمستغانم أو تجارب عربية للطيب الصديقي، وبرشيد وعالمية أيضا، ثم انضم إليه في هذا الاتجاه المسرحي حبيب مجهري.

·     تعدد الفرق المسرحية أدى إلى شبه انحسار للنوعية فأغلب الأعمال المسرحية كانت متوسطة.

·     مسرح الهواة بسيدي بلعباس نشط بشبان لا تتعدى أعمارهم الثلاثين سنة.

·     خاض الهواة تجربة الكتابة الجماعية في كثير من النصوص المسرحية المنتجة والتي قلما نجحت هذه التجربة ((فغالبا ما يكون موضوع المسرحية مفككا ويلفه الغموض وعدم والتناسق حيث لم يستطع أصحاب هذه الفكرة تعويض النص المسرحي، لهذا تأتي المسرحيات المذكورة مفككة أدبيا ولغويا وغير منسجمة شكلا ومضمونا،  مما يضطر المخرج والممثل في الآن معا إلى تغطية هذه الفجوات بالأمثال والحكم الشعبية وترديد بعض الشعارات السياسية المستهلكة والإسقاط الإيديولوجي الساذج والباهت في الآن معا)).([1])

·     طرح مسرح الهواة قضايا سياسية ذات أبعاد إيديولوجية ونكاد نجزم من انه كان يمارس نشاطا نقابيا، وهذا ما دفع الفنان مهاودي احمد إلى القول أن "مسرح الهواة بسيدي بلعباس كان مسرحا مطلبيا "([1]).. فالكاتب المسرحي العملي ((يستجيب عادة للاهتمامات المعتادة الجارية اكثر من استجابته لتيار التطور العريض لفنه.))([1])

·     ارتبط هذا المسرح وفرقه بشكل كبير بكتابه المسرحيين، فالكاتب المسرحي هو الذي لعب الدور الأول والرئيس في تأسيس الفرقة المسرحية واستمرارها وغالبا ما كانت الفرقة أو الجمعية تفتر حيويتها ويخبو صيتها وقد تختفي من الساحة المسرحية بسبب استقالة كاتبها المسرحي أو انتقاله إلى فرقة أخرى أو تأسيسه لفرقة جديدة، تأخذ مكانتها بين الفرق بمكانة ومنزلة كاتبها ورئيسها، وقد لمسنا ذلك مع الكاتب عباس بودن من فرقة "المسرح الشعبي" إلى "مرآة الشعب" قبل الاستقلال إلى فرقة "عباس بودن"، إلى فرقة "صوت النضال" خلال مرحلة الثمانينات.

·     ويتأكد ذلك أيضا مع الكاتب الفنان قادة بن سميشة الذي يعود له الفضل في تأسيس العديد من الفرق المسرحية، بدءا من فرقة "مسرح الأحياء الشعبية" إلى "الفصول الأربعة" إلى "فن الخشبة" وأخيرا يستقر به الأمر إلى تأسيس تعاونية "مسرح الديك".([1]) ويستمر الأمر مع الكاتب محمد شواط بجمعية الكلمة وغيره من الكتاب المسرحيين.

·     وجود الكتاب المسرحيين على رأس القمة الهرمية لفرق وجمعيات مسرح الهواة، لم يجعل هذه الفرق أبدا تشكي من عدم وجود النص المسرحي، بل أن أزمة النص المسرحي التي كانت ولا زالت مطروحة بالمسرح المحترف كانت لاغية بمسرح الهواة.

·     الكثير من شباب مسرح الهواة، إما جاءوا من فرق فولكلورية أو خرجوا من فرق مسرحية وارتحلوا إلى الفرق الفولكلورية وقد ترجع أسباب ذلك:

أ/ إلى التركيبة الاجتماعية للسكان وخاصة بالأحياء الشعبية.

ب/ تشكيل الجمعيات فرق للرقص الشعبي، إلى جانب الفرقة المسرحية حصولا على الدعم المالي، وسعيا وراء السفر إلى الخارج للمشاركة بالمهرجانات الدولية للرقص الشعبي وأحيانا تعود الفرقة بأقل من ثلث أعضاءها.

جـ/ توجيه بعض الفنانين المسرحيين عناية خاصة للرقص الشعبي، فالفنان قادة بن سميشة على الرغم من احترافه بالمسرح الجهوي إلا انه يرأس جمعية التل للرقص الشعبي، ومحمد شواط يرأس فرقة بالي أفراح الجزائر.

د/ تشجيع المسؤولين على انتشار حركة الرقص الشعبي بالفرق والجمعيات الثقافية، خدمة لأهداف سياسية ترتبط بإحياء المناسبات الوطنية واستقبال الوفود الرسمية.

هـ/ ظهور مبادرة طيبة تستحق التشجيع لدى الهواة في مسرح الطفل   ولو أنها ما تزال محدودة لم تعرف انتشارا وتوسعا بالمنطقة كالذي عرفته خلال سنة 1998 بأكثر من تسعة نصوص مسرحية للأطفال أنتجت كعروض خلال السنة نفسها لفرق وجمعيات وتعاونيات مسرحية محلية.

         و/ إهمال مسرح الهواة بشكل شبه كلي لقضايا الفرد بتناقضاته، فهو لا يعالج لا المسائل الشاذة في المجتمع، وخدم في معظمه قضايا سياسية ذات أبعاد إيديولوجية إذ عليه إلا يعالج المشاكل كما تكون ولكن عليه أن يطرح بدائل لحياة الإنسان، كما يمكن أن تكون.

ي/ عدم نضج العلاقات الفنية بين بعض الفرق المسرحية، فهي غالبا: علاقات تنبني على النقد الهدام لأي عرض مسرحي جديد مهما كانت قيمته الأدبية والفنية.

ز- فقدان أي تكوين مسرحي مسبق لدى شباب مسرح الهواة.

وفي ختام بحثنا هذا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا أن المسرح في سيدي بلعباس تأثر بمسيرة المسرح الجزائري، اعتبارا من أنه جزء من حركته مع اختلاف طفيف، يرجع في معظمه إلى خصوصية المنطقة من خلال ارتباط غالبية الهواة وفرقهم المسرحية بظاهرة الفولكلور الشعبي (الرقص الشعبي)، فإما هؤلاء الهواة جاءوا من فرق فولكلورية كفرقة بني عامر أو اتجهوا إليه، كما لمسنا ذلك لدى الكاتب المسرحي قادة بن سميشة بجمعية التل الفلكلورية، وشواط محمد من جمعية الكلمة إلى بالي أفراح الجزائر.

كما لوحظ ارتباط مسرح الهواة بكتابه، لذا وجدتهم في الغالب كتبوا مسرحياتهم لفرقهم، وكثيرا ما احتفظ الكاتب لنفسه بالأدوار الأولى منها، فلم يكن الكاتب المسرحي أديبا معزولا، بل كان يلاحق مسرحيته، ويختبر بعدها البصري عن كثب، أمثال كاتب ياسين محمد شواط، عباس بودن، قادة بن سميشة بوجمعة مختار دويلة نور الدين، الدين الهناني جهيد، عبار عز الدين ... الخ وأحيانا ممثلا لإحدى شخصياتها كما أسلفنا، وقد تكون مثل هذه المتابعة والمعايشة سببا رئيسيا من أسباب قابلية ما يكتب للعرض، واحتفاظه بدرامية مركزة، تنأى عن الشطط الكلامي، الذي لا طائل من وراءه في أغلبه، هذه الكتابة التي اتخذت في معظمها اتجاهات ثلاثة اجتماعية، شعبية وتجريبية، هذه الأخيرة التي جاءت نتيجة جمع حاصل للكتابة الجماعية، أو جماعية التأليف وهي مبادرة ظهرت في المسرح الجزائري عامة لتعويض الكاتب الفرد، ثم الدور الجديد الذي أخذ المخرج يلعبه في إعادة كتابة النص المسرحي، أو ما اصطلح على تسميته بالمخرج الكاتب، حتى أضحى مسرح القرن العشرين يلقب بمسرح المخرج، وفي كل ذلك تراوحت الكتابة المسرحية بين الترجمة والاقتباس حينا والكتابة الإبداعية المستلهمة مواضعها من التراث الشعبي حينا آخر، إلا أن اللغة الغالبة كانت اللغة العامية المحكية، لارتباط النص بالعرض وبالجمهور، اعتمادا على حجة واهنة، هي "أن الجمهور يريد هكذا!" وليس هكذا نريد بالجمهور والمسرح في رأيي لا ينزل إلى الجماهير، بل عليه أن يعلو بالجمهور ويرضي الذوق لديه، وإلا ينزل به وبالمسرح إلى أسفل سافلين، ولا شك أن هذا الابتذال ساهمت فيه مجموعة من العوامل متظافرة، لعدم تنامي تقاليد ديمقراطية تتيح للمبدع وللجمهور فرص اللقاء والحوار والاختلاف الحر في الرأي، وفي المقابل أيضا الدور الذي تلعبه وسائل الاتصال في تحويل الجمهور إلى متفرج حيادي، تطغى عليه النزعة الانزوائية السلبية، بدل أن يكون شاهدا حاضرا يشارك في العمل الإبداعي بوجدانه ويتفاعل معه تفاعلا إيجابيا، وأقوى شاهد على هذه الحقيقة هو عدم تأصل تقاليد الذهاب إلى المسرح.

كما كان الكاتب يكتب مسرحيته وهو مقيد بآلية المسرح واستعداد فرقته فنيا –استعدادات ممثليه- مقيد بالعرض المسرحي من حيث تكاليف إنجازه، فإذا كانت نصوص المحترفين "-والتي تتكفل بها مؤسسة الدولة المسرحية-" لم تخضع لهذا المقياس، فإن المسرحيين بفرق الهواة ألزمتهم الفاقة ونقص الدعم، وعدم القدرة على تجهيز ديكورات العروض الضخمة، بملابسها وأكسسواراتها وموسيقاها، إلى كتابة مسرحيات بسيطة، يسيرة التكاليف، محصورة شخصياتها في أقل من أربع شخصيات، فالكاتب المسرحي خضع لظروف الإخراج، أكثر من خضوعه لملكة الإبداع لديه، فجاءت بعض النصوص ضعيفة وسطحية، وبرر بعضهم هذا الضعف بأنه تقليد لمسرح موليار الفقير، وفي مقابل كل ذلك لاحظنا ضعف النقد من جهة وعدم وجود نقاد مختصين من جهة ثانية، ونحن لا نقصد بالنقد تلك المقالات الصحفية العابرة التي كانت تترصد الفرقة أكثر من تناولها للنص أو العرض المسرحي، ومن هنا أشير أن النقد لا بد أن يلعب دوره في تقويم الحركة المسرحية وتطوير تجربتنا الطويلة، عبر مواجهة مباشرة مع النص والعرض معا، تكشف على معانيهما ومراميها الدلالية والروحية، وأن نحرر أيضا ثقافتنا من أنها تستهلك دون أن تعي ذلك، وأخيرا تأسيس خطاب معرفي عام وتكوين عقل نقدي عند المتلقى يكون دعامة مهمة لنهضتها المسرحية.

نتيجــة :                  

ولكن الأمر الذي نؤكد عليه هنا هو ضعف النقد المسرحي الذي كان لابد أن يلعب دوره في تقويم الحركة المسرحية وتطوير تجربتنا الطويلة عبر مواجهة مباشرة مع النص، تكشف معناه ومراميه الدلالية والروحية.وأن نحرر ثقافتنا من أنها تستهلك دون أن تعي ذلك بتأسيس خطاب معرفي عام، وتكوين عقل نقدي عن المتلقي يكون دعامة للنهضة المسرحية انطلاقا من التراث والموروث الشعبي وعبر الاتجاهات العامة للكتابة المسرحية الجزائرية اجتماعية وتاريخية، سياسية، واحتفالية ولكل اتجاه منطلقاته، ومناهجه الإبداعية.

 

 


 
 



Créer un site
Créer un site