Google
Recherche WWW Recherche sur Votre site
Feed 

 

الاقتباس وطرقه في تجربة أحمد رضا حوحو المسرحية

أحمد منُّـور ـ جامعة الجزائر

 

كان الاقتباس من المسرح الأوروبي وما يزال إلى يومنا هذا عملة رائجة في البلاد العربية، وذلك منذ أن تعرف العرب على الفن الدرامي في شكله اليوناني، ابتداء من منتصف القرن 19م، عن طريق الاحتكاك بالغرب[1]، وقد تركز اقتباس المؤلفين العرب بشكل خاص على المسرحين الفرنسي والإنجليزي، وهذا لا يرجع لعراقة هذين المسرحين وثرائهما من حيث الكم والنوع على السواء فحسب ولكن أيضا للأسباب التاريخية المعروفة المتعلقة بالماضي الاستعماري لكل من فرنسا وإنكلترا، اللتين كانتا قبل الحرب العالمية الأولى تتقاسمان القارات، كانت هناك أجزاء عديدة من البلاد العربية تخضع لسيطرتهما، سواء في شكل احتلال مباشر كما كان الشأن في الجزائر أم في شكل حماية كما حدث في تونس أو المغرب أو مصر مثلا:[1]

ولم تشذ الجزائر في مجال الاقتباس المسرحي عن البلدان العربية الأخرى، فاتجه كتاب المسرح عندنا بدورهم إلى الاقتباس من المسرح الفرنسي منذ الانطلاقة الأولى في بداية العشرينيات من القرن العشرين، وأول من فتح مجال الاقتباس كان محمد المنصالي سنة 1922 بمسرحية "في سبيل الوطن"[1]، وبعده اقتبس علالو سنة 1926 مسرحية "جحا"، وهي باكورة أعماله من "الطبيب بالرغم منه"[1]، وكذلك فعل محي الدين باشطرزي حين اقتبس "المشحاح" و "ثرى السوق السوداء" عن موليير أيضا[1]، وانضم إلى هؤلاء رشيد القسنطيني حينما اقتبس مسرحية "يا حسراه" عن "أنجيل" لمارسيل بانيول و "ابن عمى الأسطمبولي" عن "ابنة عمى القاطنة في فرسوفيا" للويس فيرنوى[1].

وسار في الطريق نفسه المؤلفون المسرحيون الذين جاؤوا بعد الرواد الأوائل مثل محمد التورى، ومحمد الرازي، ومحمد غريبي، فقد اقتبس الأول "الدكتور علال" عن الطبيب بالرغم منه "لموليير"[1] واقتبس الثاني "سلك يا سلاك" عن مسرحية "مقالب سكابان"[1] لموليير أيضا، كما اقتبس الثالث "المريض بلا مرض" عن "المريض الواهم"[1] وهي أيضا لموليير.

وحينما عاد أحمد رضا حوحو إلى الجزائر في سنة 1946، قادما إليها من السعودية التي أقام بها عشر سنوات، اتجه بدوره، في إطار المسرح المدرسي، إلى الاقتباس لفائدة "مدرسة التربية والتعليم"، التي كانت تابعة لـ"جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، فقدم له تلاميذ وأساتذة المدرسة المذكورة مسرحية ((أبو الحسن التيمي أو هارون الرشيد)) التي عرضت مرتين بالمسرح البلدي لمدينة قسنطينة[1]، و((البخلاء الثلاثة)) التي عرضت بكلية الشعب بقسنطينة أيضا[1]، فضلا عن ((صنيعة البرامكة)) التي افتتح بها ذلك النشاط. وكان الجمهور يتكون في معظمه من التلاميذ أنفسهم، ومن الأساتذة وأولياء التلاميذ. غير أن حوحو سرعان ما تحرر من ذلك الإطار الضيق الذي هو الإطار المدرسي ليؤسس سنة 1949 "جمعية المزهر القسنطيني للمسرح والموسيقى"[1] برئاسته وعضوية خمسة أشخاص آخرين[1]، وكانت الجمعية تتألف كما يدل اسمها من فرقتين، فرقة للموسيقى، يديرها الدكتور بن دالي التي يقول عنها : ((كان هدفها هو إحياء الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية))[1]، وأخرى للمسرح يشرف عليها حوحو((تقدم أعمالا درامية عالمية)).[1]

وعليه ، فقد كان حوحو هو المموِّن الرئيسي للجمعية بالنصوص المسرحية. وقد بدأت "المزهر" في الأول بتقديم أعماله القديمة المقتبسة من التراث، التي أشرنا إليها من قبل، وهي "البخلاء الثلاثة"، بتاريخ 03/06/1950 بكلية الشعب. و"ابن الرشيد" بتاريخ 13/12/1950 بالمسرح البلدي لقسنطينة. ويذكر الشيخ محمد الصالح رمضان أن "ابن الرشيد" هي نفسها "صنيعة البرامكة"[1]، غير أن تعليق جريدة "الشعلة"[1] في عدديها 46 و49 على التوالي[1]، أشار إلى العدد الكبير من الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات، الذين بلغ عددهم 28 رجلا و12 امرأة، وإلى اللغة الدارجة التي كتبت بها، وهو م جعلنا أن في أن تكون "ابن الرشيد" هي نفسها "صنيعة البرامكة"، وفي أضعف الاحتمالات يكون المؤلف قد أعاد كتابة هذه الأخيرة وأدخل عليها مشاهد راقصة.

وبعد هذا اتجه حوحو إلى المسرح الفرنسي لتلبية حاجة الفرقة من النصوص، واقتبس عدة أعمال توجد بين أيدينا منها خمسة هي: "عنبسة أو ملكة غرناطة"، "بائعة الورد" ، "سي عاشور والتمدن" ، "البخيل سي شعبان" ، "النائب المحترم" ، وهي الأعمال التي ظلت تعرض لعدة سنوات، في قسنطينة وفي المدن القريبة منها مثل سكيكدة، وبسكرة، وشاطودان (شلغوم العيد حاليا) إلى غاية استشهاد الكاتب سنة 1956.

و نستنتج مما سبق ذكره أن معظم أعمال حوحو المسرحية هي أعمال مقتبسة، وعددها الإجمالي حوالي 10، وهي إما مقتبسة من نصوص عربية تراثية، تاريخية مثل " صنيعة البرامكة" التي اقتبسها من أخبار وردت في كتاب "العقد الفريد " لابن عبد ربه[1]، وهي تروى في جانب منها واقعة القضاء على أسرة بني برمك[1] على يد هارون الرشيد. ومسرحية "أبو الحسن التيمي"، التي اقتبسها من ألف ليلة وليلة[1]، وتمتد حكاية "أبو الحسن" بالتحديد من الليلة 154 إلى الليلة 161. وإما مقتبسة من المسرح الفرنسي.

وجدير بالذكر أن حوحو لم يكن يذكر ـ مثله مثل الكثير من المقتبسين العرب ـ مصادره التي أخذ منها. وقد احتاج مني اكتشافها بعض الجهد والوقت، وفيما يلي أصول مسرحياته الفرنسية :

ـ "عنبسة أو ملكة غرناطة" اقتبسها عن مسرحية "روى بلاس (Ruy Blas) لفكتور هيكو: Victor Hugo .

ـ "سي عاشور والتمدن" اقتبسها "عن مسرحية" الثرى النبيل (Le Bourgeois Gentilhomme) "لموليير": Molière.

ـ "البخيل سي شعبان" اقتبسها عن مسرحية "البخيل" (L'avare) لموليير أيضا.

ـ "النائب المحترم" عن مسرحية "توباز"  (Topaze)لما رسيل بانيول :Marcel Pagnol .

ـ "بائعة الورد" وهي مقتبسة ليست مقتبسة عن مسرحية ولكن عن رواية "بائعة الخبز" الشهيرة (La porteuse de pain) لكزافيي دو مونتيبان : Xavier de Montepin   .

ونخرج من الأسماء والعناوين المذكورة أعلاه بملاحظتين أساسيتين: الأولى تتمثل في تباعد النصوص المقتبس عنها، من حيث الزمان، بحيث يرجع بعضها إلى القرن السابع عشر، وبعضها إلى القرن التاسع عشر، وبعضها الآخر إلى القرن العشرين. والثانية تتمثل في اختلاف كتَّاب النصوص من حيث الفكر، ومن حيث المذهب الأدبي، بل ومن حيث الاتجاه السياسي والايديولوجي، فقد كان "موليير" كلاسيكي المذهب، و"فكتور هيكو" رومانتكيا، وكان "كزافيه دو مونتيبان" و "مارسيل بانيول" واقعيين، وكان "هيكو" من دعاة الجمهورية المتحمسين، و"كزافيه دو مونتيبان" ينتمي إلى اليسار الفوضوي.

ويستنتج من هذا أن المقتبس لم يكن يهتم كثيرا بمسألة التباعد في الزمان، أو اختلاف الفكر والمذهب لدى الكتاب، فكيف نفسر هذا؟ إننا نفسر هذا ببساطة بطريقة الاقتباس التي اتبعها حوحو، وهي ليست من ابتكاره ولكنها تقليد ساد المسرح العربي منذ بداياته، ومازالت هي الطريقة المفضلة لدى الكثير من المسرحيين العرب. إنها الطريقة التي يعطي فيها المقتبس لنفسه حرية كاملة في التصرف في النص الأصلي كيفما يشاء، ودون قاعدة محددة،  فيدخل عليه التعديلات المختلفة في الزمان، والمكان، ويحذف من المشاهد ، ومن الشخصيات، ومن الحوار ما يشاء، ويضيف إليه ما يشاء، بحجة أن يصبح النص ملائما للبيئة الاجتماعية والثقافية الجديدة المنقول إليها.

والواقع أن مبررات هذه الحجة كثيرا ما كانت غائبة في النصوص العربية المقتبسة، بسبب غياب الطريقة الواضحة في الاقتباس، لأن حرية التغيير تقتضي أن تكون مبررة فنيا، ومقنعة منطقيا. ونحن إذا عدنا إلى طرق الاقتباس المسرحي المعروفة في الربيرتوار العالمي، فإننا نجد أن العملية تتم بشكل منهجي وواضح، ووفقا لمفهوم دقيق ومحدد، فعملية الاقتباس (L'adaptation) تعني ببساطة إما إدخال تعديلات على نص مسرحي، أجنبي، أو قديم زمنيا، بما يجعله ملائما للعرض في البيئة الثقافية والجمهور الجديد الذي سيتفرج عليه ، وإما تحويل عمل غير مسرحي في الأصل إلى عمل درامي مناسب للعرض على الركح أمام جمهور معين، مثل اقتباس بعض النصوص السردية كالرواية، أو الملحمة، أو الأساطير، أو القصص الديني أو الشعبي أو ما إلى هذا، ويزخر المسرح الأوروبي بالكثير من هذا النوع من الاقتباس..    

ويكون التعديل بحسب الأهداف التي يريد المقتبس تحقيقها من الاقتباس، فقد تكون أهدافا فنية خالصة، أو فكرية، أو سياسية، أو تربوية إلى غير ذلك، فيكون التعديل بحسب تلك الأهداف: بسيطا أو عميقا، في الزمان، أو في المكان، أو في الأفكار، أو ما شابه ذلك. ويترتب على هذا نوعين أساسيين من الاقتباس:

1 ـ اقتباس يدخل تعديلات بسيطة على النص ويحافظ على خصائصه الأصلية الأجنبية، بعد نقله إلى لغة الاقتباس، وذلك بغرض إطلاع الجمهور في البلد المنقول إليه على تجارب الشعوب والأمم الأخرى في مجال المسرح، الجديد أو الكلاسيكي، فيقتصر التعديل في الغالب على بعض التعديلات التي لا تمس جوهر العمل، مثل تغيير أسماء الشخصيات في المسرحية بما يتلاءم ونطق الأسماء في اللغة المنقول إليها،كأن ينقل الفرنسي إلى لغته مثلا الأسماء الإنكليزية، أو الألمانية، أو الإسبانية أو الإيطالية فيصبح تشارلز، وبيتر، ويوهان، وخوان ، وأنطونيو على التوالي : شارل، وبيار، وجان، وأنطوان، ولكن يظل النص محتفظا بطابعه الأجنبي الأصيل، وعلى النحو يستطيع المتفرج غير الإنكليزي أو غير الفرنسي ، أو غير النورويجي، أو غير الروسي، أن يستمتع بمسرحيات شكسبير ، أو موليير، أو إبسن، أو تشيخوف تماما مثل المتفرج الذي ينتمي إلى الجنسيات المذكورة.

2 ـ اقتباس يحافظ فيه الكاتب على أحداث المسرحية الأصلية، وعلى تطور خطها الدرامي، ولكنه يعيد كتابتها، وصياغة حوارها من جديد بما يعطي للنص أبعادا جديدة فلسفية وفكرية وفنية، قد تضاهي النص الأصلي، وقد تفوقه، وأبرز نموذج لهذا النوع من الاقتباس هو المسرح الكلاسيكي الأوروبي الذي أعاد كتابة المآسي الإغريقية والرومانية القديمة، وأحيا أعمالا كبيرة من ذلك التراث، مثل "أوديب" و"أنتيكون" و"إيفجيني"، و"اندروماك" وغيرها. وقد أسهم توفيق الحكيم في ذلك باللغة العربية، باقتباسه "أوديب" و"براكساغورا" و"بيكماليون".

ويتفرع عن هذا النوع الثاني الاقتباس الذي نجده سائدا في البلاد العربية، كما أشرت، الذي يحافظ بدوره على أحداث المسرحية الأجنبية، وعلى خطها الدرامي ولكنه يعمل ، من جهة، على طمس ملامحها الأصلية، بتغيير أسماء الشخصيات والأمكنة، والأزمنة، ويحذف منها مشاهد، أو فصول، أو شخصيات، أو يضيف إليها ما يشاء من المشاهد والشخصيات، بحيث يصبح  همه الأساسي هو إيهام المشاهد بأن ما يشاهده هو عمل أصلي، ونابع من صميم المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا ما يؤدي إلى تسطيح العمل الفني وإلى تهجينه، بل يؤدي إلى تحريفه وتزييفه، فضلا عن كونه يحاول أن يخدع المتفرج ويوهمه بواقع مزيف.

وإذا عدنا إلى اقتباسات أحمد رضا حوحو فإننا نجده قد اتبع طريقتين في الاقتباس، الأولى هي تحويل النص السردي إلى نص مسرحي، وهذا في أعماله التي اقتبسها من التاريخ أو التراث الثقافي العربي، والثانية هي اقتباس النصوص المسرحية بطريقة المسرحيين العرب من المشارقة والجزائريين. وبخصوص الطريقة الأولى لا يوجد في الواقع بين أيدينا إلا نصان، وكلاهما لا يسمح بتحديد طريقة الاقتباس لديه بدقة، أحدهما هو النص القديم لـ"صنيعة البرامكة" الذي نشره سنة 1939 في مجلة المنهل المكية [1]، وهو نص قصير، وضعيف فنيا، والثاني هو نص مسرحية ((أبو الحسن)) المتكونة من ثلاثة فصول، وهذه أيضا لا تحقق الغرض لأنها غير كاملة، حيث ضاع منها الفصل الثالث، وجزء من الفصل الثاني. يضاف إلى هذا أن هذين النصين،  ومثلهما النصوص المقتبسة من المسرح الفرنسي، لا تحتوي على أية توضيحات ركحية (Des indications scéniques) تسمح بمعرفة بعض التفاصيل المتعلقة بالديكور، أو اللباس، أو ما شابه ذلك. ومع هذا فإن المقارنة بين ما بقي من مسرحية "أبو الحسن" وبين "حكاية أبي الحسن الخليع" كما وردت في نص ألف ليلة وليلة تسمح لنا بتبيَّن الكيفية التي حول بها المقتبس النص المحكي إلى نص درامي.

وعلى العموم فقد أولى المقتبس أهمية خاصة للجانب الترفيهي في الحكاية، فجعل أبا الحسن رجلا فنانا، يقضي معظم وقته في الغناء والعزف على بعض الآلات الموسيقية، وهو ما يثير غضب جاره الإمام، أو شيخ الجامع- بتعبير المؤلف الذي عاقب أبا الحسن بالضرب عدة مرات بسبب ذلك، ونلاحظ هنا أن المؤلف اقتصر على شيخ واحد في المسرحية عوض ثلاثة في الأصل، وأضاف شخصية لا وجود لها في الحكاية وهي شخصية (أبو الخير) الطبال، وهو حبشي أسود، جار لأبي الحسن ونديم له، يشاركه في مجلسه ويصاحبه في الغناء والرقص والنقر على الطبل، وأعطى لأم أبي الحسن دورا أكثر أهمية مما هو عليه في الأصل، فجعلها تعد المائدة، وتحضر آلات الموسيقى، وتشارك ولدها ونديمه أبا الخير في الرقص.

وواضح أن ما جعل المؤلف يدخل عنصر الموسيقى والطرب على الأصل، هو إضفاء جو أكثر مرحا، يتناسب وطابع المسرحية الفكاهي، علاوة على أنه بذلك يكون وفيا للتقليد الذي جرت به العادة في المسرح الجزائري، والمسرح العربي بوجه عام، وهو إعطاء المسرح طابعا استعراضيا يتساوق فيه التمثيل مع الغناء والرقص. وقد ظل حوحو وفيا لهذا التقليد في العديد من أعماله المسرحية اللاحقة.

أما اقتباساته من المسرح الفرنسي ، فنلاحظ من خلال النصوص أنه جعل زمن الأحداث في المسرحيات معاصرة لزمن الاقتباس أو قريبة منه، أي أنها تجري على وجه التقريب بالجزائر، في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات من القرن العشرين، باستثناء "ملكة غرناطة" التي تجري بغرناطة بالأندلس، وباستثناء "بائعة الورد" أيضا التي تجري حوادثها في سنة 1920 في بلد عربي شرقي وفي جزء منها بأمريكا. وقد تطلب هذا النقل في الزمان والمكان والبيئة الاجتماعية سلسلة من عمليات التغيير أدخلها المقتبس على النصوص الأصلية، لا تخضع ـ كما ذكرنا من قبل ـ لأية قاعدة معينة ولا لمنهج محدد، فالموقف هو الذي يملي على المقتبس التغيير الذي يراه مناسبا، فهو يحذف جزء من هذا المشهد، أو يختصر في حواره، ويترك مشهدا آخر على حالة، ويحذف مشهدا ثالثا برمته، وقد يضيف بعض المشاهد الصغيرة(وهو شيء قليل).

وفيما يلي نقدم ملخصا بأهم التعديلات التي كان يدخلها المقتبس على المسرحيات الأصلية :

1 ـ يقوم بتغيير العنوان بما يعبر عن الرسالة الاجتماعية التي يريد المقتبس أن يوصلها إلى الجمهور، مثل "سي عاشور والتمدن" الذي ينبه ويحذر من ركوب موجة المودرنيزم وتقليد الفرنسيين بدون تفكير، و"النائب المحترم" إشارة إلى عدم الانخداع بمن يدعون تمثيل الشعب في المجالس النيابية . ولكن ليست كل العناوين موفقة في إبراز الغرض الذي ترمي إليه المسرحية .

2 ـ يغير الأسماء والأماكن بأسماء جزائرية مألوفة في الغالب.

3 ـ يحتفظ بالخط الدرامي العام للمسرحية من بدايته إلى نهايته، ولم يخرج عن هذا التقليد إلا في مسرحية "النائب المحترم" حيث حذف نهائيا الفصل الأخير من المسرحية الأصلية "توباز" لمارسيل بانيول، وكانت النتيجة أن تحولت المسرحية من كوميديا إلى تراجيديا(حين أقدم البطل على الانتحار). 

4 ـ يحذف العديد من المشاهد، لأسباب مختلفة، وأحيانا غير واضحة مما يجعل الفصول قصيرة، وهذا ما يؤدي به إلى دمج بعض الفصول في بعضها، أو نقل مشاهد من فصل إلى آخر.

5 ـ يحذف أجزاء من الحوار، أو يختصره ، وهذا ما يؤثر على المواقف الدرامية فيضعفها أو يجعلها مبتورة أو غير كاملة . ويظهر ذلك بالخصوص حين نحصي عدد الردود (Les répliques) في المشهد الواحد أو الفصل الواحد بين الأصل والاقتباس، مثال ذلك المشهد الثاني من الفصل الثالث، يكشف فيها المؤلف عن نوايا "سوزي" ونفسيتها إزاء كل المحيطين بها، فتبدو لنا امرأة أنانية، تكفر بكل القيم ولا تبحث إلا عما يعود عليها بالفائدة، ولا تحب في واقع الأمر إلا نفسها، يظهر كل ذلك من خلال الكلام الصريح الذي واجهت به "توباز" حين أراد أن يلومها على سلوكها[1] لكن هذه الصورة المرعبة للمرأة لا نستطيع أن نراها من خلال الموقف نفسه في النص المقتبس، بسبب الاختصار المخل الذي قام به المقتبس حين اختزل 131 رد في 50 ردا، وهذا نرى كيف يؤثر الاختصار والحذف تأثيرا سلبيا على أبعاد الشخصية ويعطي صورة مهزوزة عنها وغير متكاملة. وهذا المثال تكرر في كل المسرحيات الأخرى.

6 ـ كان يختزل كل المسرحيات في ثلاثة فصول ، مهما كان عدد الفصول في الأصل، وهذا لا يرجع إلى سبب فني ولكن لضرورة فرضها التقليد الذي كان معمولا به ، وهو أن تقسم السهرة إلى جزأين يخصص الجزء الأول منها للتمثيل، والجزء الأخير للموسيقى، فكان على حوحو أن يعمل حساب الوقت ليترك الفرصة للفرقة الموسيقية لتنتهي السهرة .

ويبدو أن انشغالات حوحو الكثيرة، وجهوده الموزعة بين الصحافة وإدارة معهد بن باديس، بالإضافة إلى شؤون "المزهر" كان لها انعكاساتها على كتاباته المسرحية، ويظهر لنا ذلك في طابع الاستعجال الذي كتبت به، وكثرة الأخطاء، وآثار السهو والنسيان، والشطب التي نجدها في المخطوطات الأصلية للمسرحيات المكتوبة بخط المقتبس. ولا شك أن تلك الانشغالات لم تكن تسمح له بإطالة التفكير في ما كان يقتبسه من الأعمال.

كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في صنع تجربة حوحو في مجال الاقتباس المسرحي، وفي طبعها بهذا الطابع الخاص بكل ما في ذلك من الإيجابيات والسلبيات، وعلى أية حال فقد كانت تجربة غنية ومتنوعة، بالنظر إلى الظروف التي أنجزها فيها، وبالقياس إلى تجارب غيره من المسرحيين الجزائريين الذين عاصروه ونعتقد أنها إضافة نوعية هامة على مستوى تجربة الكتابة للمسرح في الجزائر.

 

***

 


 
 



Créer un site
Créer un site